الطبقية المقيتة في الهند
وأما الأمم الأخرى فلو تأملناها لوجدنا العجب، فلنأخذ مثلاً الهند ، فـالهند فيها -وإلى يومنا هذا- الطبقية البغيضة المقيتة التي تهدر كرامة الإنسان ولا تعطيه أي اعتبار، وتفاضل بين الناس بميزان لم يشرعه الله، ولم يأذن به، ولا يقبله العقل السليم ولا الفطرة، فـالبراهمة أربع طبقات، وهذه الطبقات بينها بون شاسع وكبير، فأعلاها طبقة البراهمة الذين يزعمون أنهم خلقوا من ذات أو من رأس الرب، تعالى الله عما يصفون، وهم يتكلمون عن ربهم هم، وهذه الطبقة هم قلة من المترفين المنعمين الذين يعيشون من عرق وكدح بقية الفئات التي تخدمهم، وعملهم قراءة الكتاب المقدس فقط، وشرحه وتفسيره، والتحكم في الناس باسم الدين، فهم قريب ممن ذكر الله تبارك وتعالى من أهل الكتاب فقال: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ))[التوبة:34]، فهؤلاء مثلهم، بل هم في صورة أشنع وأشد من حال الرهبان والأحبار، فهم يتحكمون في الناس باسم الدين.والطبقة الثانية والثالثة: هم أهل المهن، وطبقة الجيش، وأما الطبقة الدنيا التي يقولون عنها: إنها خلقت من قدمي الرب فقط، وهذه الطبقة هم الأكثرية الساحقة، وهؤلاء ليس لهم أدنى قيمة، ولا كرامة إنسانية على الإطلاق، ولو أن أحدهم طمع بأن يمس أحد أفراد الطبقة العليا بيده، أو يأخذ منه شيئاً من أدواته الخاصة، أو يرفض طاعته إذا أمره بأي أمر؛ لكان من حق ذلك أن يقتله فوراً كما تقتل أي دابة من الدواب الحقيرة التي يملكها هذا الإنسان، فليس له أي كرامة، ولا يستطيع أحد من هذه الطبقة أن يعدل وضعه، ولا أن يترقى ليصير من طبقة البراهمة ، فهذا مستحيل ومحال، فيظل على هذا الوضع الاجتماعي المنحط الهابط المتدني هو وأبناؤه، وأحفاده إلى قيام الساعة، ولا ينقذه من ذلك إلا الإسلام.ولهذا فإن أكثر من يسلمون هم من أبناء هذه الطبقة، ولو كنا ندعو إلى الله حقاً في الهند وغيرها لأمكن أن يدخل هؤلاء كلهم في الإسلام؛ عندما يرون عدله وسماحته، وعندما كان المغول يحكمون الهند وهم مسلمون؛ تنفس أولئك الصعداء؛ لأنهم وجدوا فيه العدالة، ووجدوا الحرية، ووجدوا الحياة التي جعلتهم يعيشون على دينهم، ولا يكرهون على اعتناق الإسلام، فوجدوا أنهم ينتقلون إلى وضع خير وأفضل بكثير من حكم الهندوس ، ولم يقض على حكم المغول إلا الإنجليز عندما جاءوا واحتلوا الهند ، وأعلن الإنجليز أيضاً محاربة الطبقية، فالمقصود: أن هذا هو الوضع الذي كان -ولا يزال- في أرض الهند بملايينها العظيمة الهائلة.